الشعب يحتاج الدعم لا الشكر
بقلم علاء طه الجورنالجي[email protected]
آفة المصريين في الكلام المعسول الخادع الذي يغرر بحياتهم، ويهيئ لهم الخطأ علي أنه الصواب.. وعندما
تتكشف التفاصيل مع مرور الأيام عن فداحة الخطأ، يتم التسفيه والمراوغة بحجة أن الشعب لا يعرف الحقيقة لأن هذه من مسائل الأمن القومي.. وعندما يفيض النقد حول جدوي ما يحدث، يقول المسئول بكل برود :"أنا أعرف مصلحتكم أكثر منكم".
لا غمز ولا لمز في هذا الكلام لأنه أمر قديم وراسخ في الثقافة الشعبية التي تقول أن "كلام الليل مدهون بزبدة".. لكن أغلب الظن أن ما تمر به مصر الآن لا يحتاج إلي هذه الثقافة.. ولا يمكن أن تدار الأمور بالشكر من المسئولين لنا علي التحمل والسكوت علي غلاء الأسعار وتعويم الجنيه والقيمة المضافة وزيادات البنزين وأزمات السكر والأرز والزيت.. والآن الوجيعة تضرب المرضي، وهم بالملايين، من أزمة الأدوية، فالحقيقة الراسخة أن "للصبر حدود"، وللشعوب طاقة في التحمل والوجع والألم.
ما تحتاجه مصر بكل صدق المصارحة والمكاشفة، بعيداً عن التخوين ونشر الكراهية والتهوين.. وهذا لن يتأتي إلا بإصلاح سياسي حقيقي يضمن مشاركة الجميع في القرار والمسئولية.. فكثير من القرارات في الأعوام الأخيرة كانت خاطئة للدرجة التي سرعت من وتيرة الأزمة الإقتصادية الطاحنة.. قرارات غاب عنها العقل السياسي الذي يختار بحرفية ومهارة أولوية المشروعات، ويفهم جيداً دراسات الجدوي ولا يتحرك بدونها. والأهم من هذا الإعتراف بأخطاء القرارات الإقتصادية التي تهوي بالجميع لجب العوز والفقر والمهانة، والتحرك سريعاً لدعم المحتاجين نقدياً، بداية من زيادة الرواتب إلي زيادة المعاشات.. وإن كانت القرارات الصعبة رفعت التضخم في الشهر الماضي إلي 19% فمن حق كل المتضرريين رفع رواتبهم بنفس النسبة.. والسياسة المالية والإقتصادية لا يمكن أن يديرها في دولة تريد التقدم والنهوض رجال المصارف، الذين لا يفكرون سوي في هامش الربح والفائدة والهروب من الخسائر، هذه تحتاج إلي رجال أقتصاد لديهم خيال ويفهمون أكثر ما يحتاجه الشعب لا ما يحتاجه رجال الأعمال.
مبادئ مشاركة الأفكار الخاصة للمسئولين ارتجالياً دون النظر للحقائق في الشارع، أو التصور أن المشاعر أهم من الوقائع واهتمامات الناس، أو الإيمان بأن سحر الكلام قادر علي إيجاد حل للمشاكل الإقتصادية واليومية، هي مبادئ بالية وقديمة أنتهت من العالم، ولم تعد لها قيمة أمام ثورة الإتصالات والمعلومات وقوة مواقع التواصل الإجتماعي.. وعلي من يؤمن بها ويثق فيها أن يري بنفسه سخرية المصريين بالنكات والتعليقات والكوميكس والصور علي ما يحدث في كل الأزمات اليومية المتتالية.. وبالتالي يستطيع المسئول المراوغة لبعض الوقت، أو التكتم هنيهة، لكن الحقائق تكون موجعة والنهايات كابوسية.
يتصور المسئولون في بداية تسلمهم المهام والوظائف القيادية أي كانت درجاتها، التي سعوا لها بكل الوسائل الشريفة والحمقاء، أنهم المستحقون لهذه المكانة لخبرتهم ومعارفهم بأدق التفاصيل، ويطلبون الصبر عليهم عام أو عامين ليتحقق المراد.. يصيح الشعب:"الله.. هذا هو الرجل المناسب"، ويحلم بالعسل والحليب والفواكه واللحوم والبطاقة الإئتمانية التي ستدفئ حافظة نقوده.. لكن مع إخفاقاتهم في حل المشاكل وتحولها لأزمات يستعين المسئولون بالسماء ويتصورون للوهلة الأولي أن المنصب من عند الله، وأن الله معهم، فيبدأ كلامهم علي أنه لا أفضل مما هو موجود، وأن الأمور كانت "خرابة" والمهام مستحيلة، والفساد بني له أعشاش في كل مكان، والأعداء يحيطون من كل جانب.. فيقول الشعب :"لنا الله".. لكن الأخطر في التحول الثالث عندما يتوحد المسئولون بالمناصب والكراسي ويتصورون أنهم المنصب وأنهم الوطن.. هنا يغضب الشعب لأنه لا يبتلع الكذبة الكبيرة.