”التعليم العابر للأجيال” : نجاح أول تجربة في إيطاليا

بارتفاع أمل الحياة، أصبح من المألوف تواجد أجيال مختلفة في نفس الحيز الزمني الطويل . فما العلاقة التي يجب أن تربط بين أجيال مختلفة ومتابعدة كي نؤسس مجتمعا متماسكا وتفاعليا؟
لعل هذا السؤال هو من أهم الأسئلة التي طرحها علماء الاجتماع في الغرب وكانت إجابتهم هي مفهوم "العابر للأجيال" الذي ينبني على علاقة تبادل يكون كل طرف فيها فاعلا ومستفيدا من الآخر و على إثراء معرفي لكل الأطراف من مختلف الأجيال بدلا من التفرقة السائدة بينها واصطدامها ببعضها البعض. 

ويمكن بلورة هذا المفهوم في ميادين عدة ولا سيما التعليم وهو ما يعبر عنه ﺑ"التعليم 
عابرالأجيال" « Intergenerational education
وهو تعليم إدماجي" inclusive يجمع وفقا للتجارب التي تجسدت على أرض الواقع بين أجيال متباعدة جدا من حيث السن من مسنين وأطفال. 

فهو لا يرتقي بمستوى التعليم فحسب بل وكذلك يمكّن من دعم التماسك الاجتماعي من خلال التفاعل والتشارك بين الأجيال. إذ أن الأطفال صفحات بيضاء ناصعة لا تشوبها الأفكار المسبقة فيتعاملون بعفوية ومرح مع المسنين كأنهم أجدادهم والمسنون غالبا ما يعانون من قلة الحركة ومن الإحساس بعدم القدرة على العطاء والمساعدة فيعيد إليهم تواصلهم وتفاعلهم مع الأطفال الثقة بالنفس ويساهم في تحسن حالاتهم النفسية.

توجد تجارب من هذا القبيل في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكندا وفرنسا أما بالنسبة لإيطاليا فإن أول تجربة "للتعليم عابر للأجيال" تجسدت من خلال رياض للأطفال و دار للمسننين يوجدان في فضاء واحد يلتقي فيه حوالي 40 طفلا من سنة إلى 3 سنوات و80 مسنا. يقع ذلك في مدينة بياتشانتسا بشمال البلاد. وقد أسالت هذه التجربة الكثير من الحبر.

تلتقي هذه الأجيال المتباعدة في السن في الأماكن المشتركة العديدة بين المبنيين المتتاخمين لرياض الأطفال ودار المسنين للقيام بالعديد من الأنشطة معا من ألعاب و طبخ ورسم ورواية قصص ورقص،إلخ. يمرحون ويلعبون معا ويتعلمون من بعضهم البعض. وهو ما تؤكده إيلنا دجاقستي منسقة هذا المشروع العابر للأجيال. 

يدخل التواصل مع الأطفال المرح والحياة إلى حياة المسنين الذين يخرجون من عزلتهم 
ويساعدون المربيات والمربين في الاهتمام بالأطفال. كما أنهم يستمتعون كثيرا معهم وكأنه لا وجود لفارق السن.
لعل مفهوم "التعليم العابر للأجيال" وإن لم يعتمد بعد في النظم التربوية الرسمية في بلداننا العربية إلا أن ثقافتنا مبنية على التعايش والتفاعل بين مختلف الأجيال ويبدأ ذلك من البيت الذي كانت تعيش فيه كل العائلة من والدين و أجداد وأبناء،إلخ. 

لكن التطورات الاجتماعية قادتنا رويد رويدا نحو الفصل بين الأجيال و تهميش بعضها في عدد من الحالات و المسنون هم الفئة العمرية الأكثر هشاشة في غالب الأحيان.

لعلنا نحن أيضا نحتاج إلى عودة إلى جذور ثقافتنا و إلى التضامن الاجتماعي والجيلي المؤسس لها.