حدائق السعادة بقبول العيد
بقلم ايناس صديق الجورنالجيتسكن القلب فرحة، فيراقص العقل ابتهاجاً، كلما لاح في الأفق مقدم العيد.. اغماضة العين تأخذني لابتسامة طفلة وهي تشتري فستان العيد الملون.. قفزة أقدام ورفرفة قلب وارتجافة جسد لا يشعر بالسلام إلا حينما تمسح أمي وجهي بيدها الناعمة، وتنظر في عيوني بكل حنان الدنيا لتقول لي :"مبسوطة".. أهز رأسي وأعجز عن أن أقول لها إن بهجتي ليست بالفستان وإنما بنظرتها فيض الحنان، وسعادتها منبع الرضى.
كنا نترقب بانشغال صوت أقدام أبي عائداً ببدلته الرسمية، وحذائه الذي لطالما يلمع بريقاً ينافس شارات كتفه التي كنت أخالها نجوم من السماء..
كنا أطفال زهور في حدائق "لمة العيلة"..
عندما اشعر بالضجيج أسابق أخوتي نحو السلم لأسمع مأمأة الخروف .. نتنافس في استقباله، واكرامه وننشغل طيلة الليل بملاعبته ونقدم له الماء والحشيش والخبز.
عيوننا لا تعرف النوم وأجسادنا لا تشعر بالتعب.. مع خيوط النور في صباح العيد كنا نسابق الرياح، ونلهث حتي الوصول إلي الساحة من أجل الصلاة.. الجميع يكبر ويبتهل ويلبي، وحي علي الصلاة ولبيك اللهم لبيك.. تخشع القلوب نحو القبلة، وصوت الإمام يتلو القرآن تهزني من العمق دون أن أفهم المعاني..
السلام عليكم ورحمة الله تفتح الحياة علي مصراعيها.. وتقفز البالونات الملونة فوق الرؤوس. اخطف الصفراء وتلقف أميرة الحمراء وفاطمة الزرقاء وعلي مسافة يتباري محمود وأحمد في فرقعة البمب.. نعود فيأخذني نوم خفيف، لا أعرف سببه سوي أنني لا أحب أن أري ذبح الأضحية.. أخاف من الدم.. لكن السعادة تغمر البيت.. الأعمام والعمات.. تمتلأ جيوبي بالعيدية والحلوي.. وتنشط أمي وعمتي لصنع الفتة.. أشعر بالجوع يقرص بطني، لكني أنساه سريعاً علي صوت التلفاز.
لا أعرف من أين تأتي الذاكرة بلحظات السعادة.. ملفات للوجوه الجميلة ولضحكات ولصباحات وأماسي لا تنسي.
كنا أطفالاً فكانت الفرحة حدائق تفوح زهورها بالياسمين والفل.. وكأن قلوبنا كبرت مع الزمن، ولم تعد أقدامنا تسابق الريح.. صارت دواسة البنزين ثقيلة.. أنظر في عيون مالك وريناد أحاول أن أبحث فيهما عن فرحتي.. أدور بهما علي المحال في المول وأشعر بالإرهاق بعد مهمة ارضائهما بالملابس الجميلة، وأمسح وجهيهما بيدي أسألهما:"مبسوطين".. فيهزان رأسيهما، وأشعر بعجزهما عن التعبير عن مشاعرهما الحقيقية.. صرنا كباراً نجتر الذكريات، نحاول أن نصنع الفرحة للآخرين..
لبيك اللهم لبيك.. إن الحمد والنعمة والشكر لك.. لا إله إلا أنت.