آثار الأقاليم

المساجد والكنائس الأثرية لا تتركز في القاهرة فقط، بل تتناثر في عديد من المحافظات، ويبدو أن الجهات المعنية تتعامل معها بمنطق: "البعيد عن العين بعيد القلب"، ومن ثم بعيد عن الاهتمام والعناية.

 أجرينا مسحًا سريعًا بثلاث محافظات، للتدليل على افتقاد تلك المساجد والكنائس التاريخية والأثرية إلى الاهتمام المطلوب.

المنيا.. مواقف للأجرة وأسواق عشوائية
وسط كتل من البائعين الجائلين وأصحاب شوادر الخضار والفاكهة وسيارات الربع نقل وغيرها، اختفت ملامح مسجد عريق مر على إنشائه أكثر من 240 عاما، فعلى امتداد شارع 26 يوليو وفى الناحية الشمالية تجد نفسك أمام "مسجد العسقلانى" ذلك المسجد الأثري والتراثي، والذي أخفى ملامحه إهمال هيئة الآثار الإسلامية له، فقد تم إنشاؤه في عام ١١٩٣ هجريًا، ١٧٧٩ ميلاديا، على يد أمير اللواء إبراهيم قائم مقام مصر، وهو أحد مماليك محمد بك أبو الدهب، وتقلد المشيخة بعد موت أستاذه وقد سُمى إبراهيم بك المحمدى نسبة إليه، وتوفى بالسودان إبان حكم محمد على.

عانى المسجد الواقع وسط أكبر سوق بمدينة ملوى جنوب المنيا من التعديات على حرمته فنصبت الخيام وتوقفت سيارات الكارو والربع نقل أمام جدرانه، وأخفت أجولة الخضار وأقفاص الفاكهة معالمه الأثرية الخارجية، يأتي ذلك في ظل غياب دور وزارتي الآثار والأوقاف، للتصدى لتلك التعديات.

عندما تطأ قدماك أعتاب "مسجد العسقلاني" تقابلك أربع درجات من الطوب لتصل بك إلى مدخل مبني بالطوب المنجور ومزين بزخارف دقيقة اختفى جزء كبير منها بسبب العوامل الطبيعية، ويحتوي على أعمدة أثرية تكاد أن تختفي بسبب قلة أعمال الترميم لهذا الأثر.

ومن مسجد العسقلانى إلى مسجد "البدري"، الذي أنشئ عام 1940، ويعد من أقدم المساجد بقرية الأشمونين، ذلك المسجد الذي يسع أكثر من 5000 مسلم بالقرية ويتميز بمساحته الكبيرة، لكنه يعاني من إهمال كبير ولم يتم تطويره منذ بنائه رغم أن سقف المسجد أنشئ بـ"عروق الخشب"، والساحة التي تتبعه أنشئت بـ"البوص".

ويعد جامع اللمطي بالمنيا، أقدم مساجد المحافظة، خاصة بعد مرور 1000 عام على إنشائه، ويقع وسط مدينة المنيا، ويطل على كورنيش النيل، ورغم مكانته الأثرية باعتباره مركزًا للحكم في العصر الفاطمي، إلا أن أيادي الإهمال حولت ساحته إلى موقف للسيارات، وسط صمت كبير من المسئولين.

الدقهلية.. تحف معمارية في قبضة الإهمال
تذخر محافظة الدقهلية بالعديد من الآثار الإسلامية والقبطية التي تعد مزارا سياحيا مهما إلا أن المقيد هو مسجد وكنيسة واحدة.

والمسجد المقيد بالآثار هو: مسجد نور بقرية الطويلة التابعة لمركز طلخا بمحافظة الدقهلية أنشئ عام 1286 هجرية و1868 ميلادية، أما عن المساجد الأثرية غير المقيدة على سبيل المثال وليس الحصر فمئذنة الغمري في مدينة ميت غمر، والتي تقع بشارع الغمري ملحقة بمسجد حديث البناء، إلا أن المئذنة أثرية البناء، ويعود تاريخ بناء المئذنة إلى عصر السلطان الغوري في القرن العاشر الهجرى، وحالتها تحتاج إلى الترميم، وتضم القائمة عددا كبيرا من المساجد والزوايا والأضرحة وجميعها سقط من أولويات المسئولين رغم أهميتها التاريخية التي لا ينكرها أحد.

أما الكنائس غير المدرجة بالآثار فهي: كنيسة العذراء بدقادوس أول كنيسة على اسم السيدة العذراء مريم بالوجه البحري بنتها الملكة هيلانا أم الملك قسطنطين الكبير في القرن الرابعة الميلادي، وكانت قبل ذلك معبدا رومانيا.

وعلى مر العصور غرقت الكنيسة بمياه الفيضان المجاورة للكنيسة مرات ومرات، فقام الأهالي ببناء كنيسة في القرن الـ١٣ على نفس مساحة الكنيسة الأثرية، كما تضم قائمة الآثار القبطية المهملة بالإقليم: دير الشهيد العظيم مارجرجس بقرية ميت دمسيس التابعة لمركز أجا، وكنيسة الشهيد الرومانى مارجرجس بقرية صهرجت الكبرى في ميت غمر، والتي يعود تاريخها للقرن الرابع الميلادى وتتعامد الشمس على مذابح "الملاك ميخائيل" و"عيد الشهيد مارجرجس" و"عيد السيدة العذراء"، من فتحات في قباب فوق تلك المذابح تؤهلها لتكون مزارا سياحيا.

فيما أكد مصدر بقطاع آثار الدقهلية "رفض ذكر اسمه" عدم وجود آثار قبطية مسجلة بالمحافظة سوى دير القديسة دميانة، مؤكدا عدم تقدم الكنائس بطلب لضمها دون سبب محدد.

الشرقية.. ليس في الإمكان أفضل مما كان
حالة من الجدل شهدتها مصر عام 2018 بعد الإعلان عن قرار تفكيك ونقل 55 منبرا أثريا من مساجد القاهرة التاريخية تعود إلى العصر المملوكي تمهيدا لعرضها بالمتاحف القومية بداعي أنها معرضة للسرقة أو النهب، وهو الأمر الذي أثار غضب واستياء الكثيرين، معتبرين ذلك الأمر بأنه يهدد الآثار الإسلامية النادرة.

كذلك تذخر مدن وقرى الشرقية بالعديد من الآثار القبطية المهملة التي لا تجد أدنى درجات الرعاية، في الوقت الذي يتنصل فيه المسئولون المعنيون من المسئولية بدعوى أن كل شيء على ما لا يرام وليس في الإمكان أفضل مما كان.