أردوغان تركيا والحرب الباردة..
كتب احمد عزت زيادة الجورنالجيغافل كل من ينظر للعلاقات السياسية الروسية الأمريكية من الأعلى دون محاولات تسليط عدسته على المنظور القريب والدقيق جداً لتلك العلاقات.
إن تصورات وسائل الإعلام والجمهور حول اتفاق روسيا والولايات المتحدة على هدف واحد، وهو مواجهة الإرهاب عالمياً وفي المنطقة العربية خاصةً تصور خاطئ. إنما الحقيقة أن انتشار الإرهاب أو ضموره في المنطقة العربية يرتبط بالحرب الباردة بين روسيا التي تساند الأنظمة العربية وتدعمها في حربها على الإرهاب للحفاظ على مصالحها معهم في الشأن الاقتصادي وخاصة المرتبط بالذهب الأسود، وكذلك مصالحها الأمنية والحدودية.
إن جميع التحليلات التي ذهب إليها الخبراء والمحللون السياسيون في أحداث الانقلاب التركي بعضها يحتمل الصواب وبعضها يحتمل الخطأ ومعظمها يحمل أهواءاً أو أمنيات شخصية تتعلق بالدولة أو التيار أو الفكر المُنتمي إليه هؤلاء المحللين.
وطالما تعددت الأقاويل وغابت الحقائق التي لن نُجزم بها قبل ٥٠ سنة على الأقل من الآن؛ فلنقل أن ما حدث هو محاولة حقيقية من بعض قادة الوحدات في الجيش التركي للانقلاب على أردوغان وإسقاطه وحزبه؛ وإسناد مهمة حكم البلاد للجيش. بسيناريو أو بآخر، فشل الانقلاب ووجدها أردوغان الفرصة الأنسب للتخلص من معارضيه وخصومه السياسيين بلا رحمة لإحكام قبضته على الدولة وأخونتها وتصعيد حزب العدالة والتنمية ليكون رجاله بديلاً لما يزيد عن عشرين ألفاً من القضاة والنيابيين والمحافظين وقادة الجيش!!
ولن نذهب لأن الولايات المتحدة هي من أفشلت الانقلاب بصدها له عن طريق طائرتها ال"إف ١٦" التي خرجت من قاعدة "انجرليك" وأن CIA اتصلت بقائد القوات الجوية التركية تأمره بالانسحاب وتسليم نفسه. كل ما سبق هي تكهنات لا أراها منطقية. ببساطة إن من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية -ماريونيت الاقتصاد الصهيوني- أن يسقط أردوغان وتسقط تركيا المسلمة المصنفة عالمياً على المستويات الاقتصادية والعسكرية لمصلحة إسرائيل؛ لتطمئن لسقوط إحدى الدول المسلمة التي تشكل قوة عسكرية كبيرة في المنطقة، ولتكون تركيا حينها إحدى البوابات الأمريكية لتحقيق طموحاتها في الدخول للقوة الشرقية التي تبدأ بروسيا. كما يُقال "عصفورين بحجر واحد!!".
وإن افترضنا تخيلات بتدخل دول أجنبية في تركيا فمن المنطقي أن نؤكد أن إسرائيل -التي لا عهد لها- والولايات المتحدة تخابرا مع بعض قادة الجيش لتُسقطان تركيا، فتدخلت روسيا لإنقاذ موقف، حدوثه قد يضر مصالحها الشخصية أكثر مما يُفيد مصالحها في سوريا والعراق. روسيا أذكى من أن تنتصر لسوريا والعراق حالياً على حساب فتح جبهة صراع حدودية جديدة. لعبَتا إسرائيل والولايات المتحدة مخطط عبقري لإسقاط ما ترتعد منه إسرائيل؛ وهو وجود دول مسلمة قوية في محيط دولتها المنشودة -من الفرات إلى النيل-. حتى وإن كان أردوغان مُتأسلماً، ولكنه "المُتأسلم" الذي يحكم شعباً "مُسلماً" سيهدد أمنها يوماً ما!! لعبَتا انقلاباً سيُسقط الدولة للأبد إن نجح عندما تُحقِّق نتائجه مفهوم "الفوضى الخلاقة" الذي فسرته كلينتون، أو سيُحدث نفس الفوضى إن فشل، فانتقم أردوغان وبدأ في أخونة الدولة وكسر شوكة الجيش وإذلاله كما سبق وأشرنا فتكون النتيجة مزيداً من محاولات الانقلاب العسكري أو الانتفاض الشعبي عندما يُدرك الشعب التركي وجه أردوغان الحقيقي ويرى وجه جماعته الدولية المُتأسلمة المتآمرة القبيح!!
في النهاية، إن تلك المحاولة وفشلها ما هي إلا نتيجة جولة جديدة من صراع الأديان العالمي الأبدي، ونتيجة جولة من جولات مباراة الحرب الباردة التي بدأت منذ عقود بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. النتيجة النهائية.. انتصار إسرائيل وذراعها الأمريكي على الدب الروسي والذئب التركي في مجرد تدبير "محاولة انقلاب فاشلة" ربما تكون قد خُططت بهدف أن تفشل، فيخنق الأتراك أنفسهم بأيديهم بانقسام الشعب ومؤسسات الدولة واختلاف الأجهزة السيادية التركية وصراع المعارضة مع الحكومة والجيش وتمييز الإعلام بين مؤيد لشرعية أردوغان الزائفة أو مؤيد للانقلاب العسكري -أي ضد الدولة-.؛ وسقوط مصداقية الإعلام والصحافة المصرية من جديد!!