ديمستورا والسوريين قبل الوداع
بقلم وليد خليفه الجورنالجيكان الحائط السوري كفيلا بهروب الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كوفي عنان بعيدا عن الوساطة المستحيلة، كذلك فعل المخضرم بالشئون العربية المربكة، الأخضر الإبراهيمي، وللمرة الأولى يضطر لتقديم استقالته في التوسط بشأن عربي قبل انتهاء مهمته، بحثت الهيئة الأممية عن دبلوماسي يجمع الخبرة والصبر والحنكة في حل النزاعات بين الأمم البعيدة عن ثقافة الحوار والتفاهم، فلم تجد أمامها إلا شخصان أحدهما عربي وهو الفلسطيني سلام فيّاض والآخر السويدي الإيطالي، ستيفان دي مستورا، فاستبعدت الأول لحساسية السوري اتجاه كل ما هو فلسطيني وخاصة إن كان محسوبا على المعشر الذي بادر في صياغة حل سياسي تمثل في جنيف الأولى، معشر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكلفت الثاني لخبرته في نزاعات شبيهة " السودان والعراق وافغانستان" حسب منظورها.
درس دي مستورا نقاط خيبة سابقيه جيدا وتوقف عند المحطات كلها، قرأ المشهد من الأعلى إلى الأسفل ومن اليمين إلى اليسار ومن الأدنى إلى الأدنى وبقي في الأدنى باسهاب، حيث العقدة والعقيدة، عقدة سوريا هو في القاع المجتمعي السوري أولا ومن ثم في الساسة المتشبثين بهذا القاع ، قرأ الوجوه والتعابير والقوى ورسائلها المشفرة والمعلنة، رأى حائطا شاهقا ومتشعبا يعبر خريطة سوريا ويقسمها ويمتد ليشمل دولا وممالك قريبة وبعيدة، ربما فكر في تلك اللحظات إن الحائط الذي وقف الإبراهيمي وعنان عاجزان أمامه هو ذاته من سيفشل مساعيه فاتجه نحو الحائط بدأ بالحفر تحته، الإيطاليون أمهر من يحفر في أعماق الأرض، ربما ورث ذلك عن أبيه فهو من أب ايطالي وأم سويدية.
خلخلة الحائط السوري بدأت في الخطوات التمهيدية للطبعة الثالثة من جنيف، يومها توقع الكثيرون أن يصاب ديمستورا بعقدة سابقيه، وراهن ساسة سوريا في المقلبين على ذلك، الإحباط والاستقالة، إلا إنه بإصراره على الاستمرار ترك أسئلة لم ينشغل بها الساسة كثيرا، أسئلة تدور حول الاستراتيجيات التي يتكئ عليها هذا المخضرم في فض الاشتباكات لانهاء حربهم، يقول دي مستورا:" خلال ثلاث سنوات كرست وقتي لوقف الكارثة بحق أطفال سوريا ولم يكن لدي الوقت فيها للقاء ابنتي التي تدرس هنا في باريس والآن فقط سرقت نفسي قبل الجولة الرابعة ليومي العطلةـ الويك أند، لرؤية ابنتي والعودة إلى فريقي ولكني أتابع الموضوع وعرفت أنك هنا من أحد الأصدقاء فأتيت لأؤكد لشخصكم احترامي وتقديري" بهذه الكلمات وقبل انطلاقة الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف، أعتذر المندوب الأممي للسيد أحمد الجربا، رئيس تيار الغد السوري، عن تغيبه عن أداء مهامه بحضور عدد من السوريين، كان حضوره مفاجئا للجربا وللحضور الذي كنت بينهم بدعوة معتادة من الجربا للتداول مع بعض النخب السورية في كل زيارة له إلى باريس.
يدرك المندوب الأممي وعورة الطريق إلى الحل هذه المرة ولكنه واثق من قدراته معطوفا عليها رغبة الدول صاحبة القرار لطي صفحة أصبحت تشكل مصدر قلق لهم على عدة مستويات أولها أزمة اللاجئين التي لا يمكن قفل الأبواب وسد الآذان حيالها وثانيها أزمة الإرهاب الإسلاموي التي باتت خطرا يقض مضاجع الكثير من الدول المؤثرة في القرار العالمي، وثالثها، خشية أصحاب القرار من استفراد روسيا الاتحادية في فرض الحل على طريقتها الخاصة وتحول سوريا إلى ولاية من ولايات الاتحاد الروسي، وهناك أسباب أخرى ولكنها تتحول إلى ثانوية أمام هول الثلاث، فتوجه نحو الدول صاحبة القرار، ومارس التقية حيال دول الإقليم المشاركة في الحرب، توجه إلى تركيا وإيران والسعودية وقطر عبر البوابات الروسية والأمريكية والاتحاد الأوروبي، بوابات تستطيع لحلحة مواقف المشاركين الصغار في وليمة الدم السوري،المشاركين على أمل الحصول على بعض المكاسب التي لا توازي جزءا صغيرا من خساراتهم في تلك الحرب، يعترف بذلك الرئيس والمرشد والملك والأمير، ناهيك عن خسارات السوريين الذين يكرر أغلبهم مقولة الشاعر السوري، منذر مصري:" ليتها لم تكن"، يستثنى من هؤلاء أثرياء الحرب وسماسرتها الصغار الذين يخشون خسارة مكاسبهم لحظة وقف الحرب.
يدرك دي مستورا أن الطريق بات مفتوحا أمامه وحائط الصد السوري بات هشا أكثر مما يدّعي المتمترسين حوله في الاتجاهين، جماعة النظام يدركون إن مقاومة مشروع دي مستورا المتكامل ضربٌ من الهبل سيسقطه أرضا، تعرف المعارضة المسلحة ومن يواليهم إن الانتحار الجماعي ينتظرهم في حالة الرفض، كان المندوب الأممي واضحا في تلميحه لمصير حلب الذي ينتظر باقي الجبهات في حال فشل المفاوضات، ومن لا يفهم من الوضوح فليس أمامه إلا بقايا المهووسين بالانتحار من جماعات النصرة وأحرار الشام وأشقائهم وليس للتركي والإيراني إلا الموافقة على ما يقترحه بول بريمر الثاني، ستيفان دي مستورا، ولنا في التاريخ دروس