عام على رحيل سيد حجاب

بشاعرية مرهفة، وكلمات تنساب من نبع صاف رقراق، نسج الشاعر سيد حجاب خطوطا مصرية خالصة، تنير دروب الحياة، وترقق النفوس، وتهدهد الأرواح على وسادة الوطن.

سيد حجاب سيطر على مجامع الكلم، فصاغ عقدا فريدا على صدر مصر، مستخرجا نوادر اللؤلؤ من صميم الحارة الشعبية، والأحياء القاهرية العتيقة، ليبدع صورا شعرية رائعة ثبتت في وجدان وروح المصريين.

في مدينة المطرية بالدقهلية سطع نجم يؤذن بمولد سيد حجاب، تفتحت مداركه الأولى على مشاهد الصيادين وأهازيجهم، ورأى والده يلقي قصائده وسط أرباب البحر والشباك، فشب الطفل على خطى والده.

وما إن دخل المدرسة، وزادت دائرة معارفه، حتى قادته الأقدار إلى شحاتة سليم نصر، مدرس الرسم والمشرف على الأنشطة الرياضية بالمدرسة، وكان شحاتة مسكونا بموهبة الشعر، فوضع الصبي على بداية الطريق، عندما لمس فيه موهبة تشرب جذورها من والده، ووجهه المعلم للتعبير عن مشاعر أهالي قريته.

وتمر سنوات قليلة ويصدر سيد حجاب ديوانه الأول «صياد وجنية»، ثم يتعرف صاحب الموهبة الفذة على الفنان التشكيلي عبد المنعم السحراوي، لتنشأ بينهما صداقة من نوع خاص، أثمرت«بلدنا بحيرة ومدنة»، ثم «ابن بحر»، وترجم السحراوي صور سيد حجاب الشعرية للوحات فنية داخل الديوانين.

وتمر سنوات ويلتقي العملاقان، سيد حجاب والخال عبد الرحمن الأبنودي، في إحدى الندوات بالقاهرة، وسرعان ما يلتقيا بالنابغ صلاح جاهين، الذي قال لسيد حجاب: سيكون لك صوت مؤثر في الحركة الشعرية.

ويستمر تألق سيد حجاب، فتظهر تجلياته الشعرية الرائقة في دواوينه الكثيرة، ثم في تترات المسلسلات التي أحدثت دويا في الأوساط الفنية والثقافية، لدرجة اهتمام المشاهدين بالتتر بذات درجة الاهتمام بالمسلسل.

ونقرأ من تتر مسلسل «ليالي الحلمية»:
ومنين بييجى الشجن...من اختلاف الزمن
ومنين بييجى الهوى...من ائتلاف الهوى
ومنين بييجى السواد...من الدموع والعناد
ومنين بييجى الرضا...من الإيمان بالقضا

من اصطبار الروح ييجى النهار... من انحسار اليأس ييجى الأمل
من اختمار الحلم ييجى الصباح... يعود غريب الدار لأهل وشجن

ليه يا زمان مسبتناش أبرياء... وواخدنا ليه في طريق ممنوش رجوع
أقسى همومنا يفجر السخرية... وأصفى ضحكة تتوه في بحر الدموع

ولفين ياخدنا الأنين... لليالى ملهاش عينين
ولفين ياخدنا الحنين... لواحة الحيرانين

متسرسبيش يا سنينا من بين إيدينا... ومتنتهيش ده احنا يادوب ابتدينا
واللى له أول بكرة ح يبانله آخر... وبكرة تفرج مهما ضاقت علينا 

أما في تتر «الوسية» فيلخص حكمة الحياة وضرورة تحقيق العدل الاجتماعي بين الناس، بالقول:

وتستمر الحياة...بين ابتسامة وآه
فيها اللى تاه في دجاه...واللى ضميره هداه

وكل ضيقة بعدها وسعة... وآهى دى الحقيقة بس منسية
وكلنا ولاد تسعة وبنسعى... ودى مش وسية الناس سواسية

لملم جروحك يا حزين وامشى... خطوة كمان وتخف آلامك
واحلم بعين صاحية ولا تنامشى... غير لما تشرق شمس أحلامك

وفي «المال والبنون» يثمن قيمة الفطرة السوية وارتقاءها فوق أوهام المال والبنون، يقول:

قالوا زمان دنيا دنية غرورة... وقلنا واللى تغره يخسر مصيره
قالوا الشيطان قادر وله ألف صورة... قلنا ما يقدر ع اللى خيره لغيره

إيه معنى دنيتنا وغاية حياتنا... إذا بعنا فطرتنا البريئة الرقيقة
وإزاى نبص لروحنا جوة مراياتنا... إذا إحنا عشنا هاربانين م الحقيقة

المال تجيبه الريح وتاخده الهوايل... أما البنون يوم الحساب بيفوتونا
مال إيه؟ ده لو كان مال قارون كله زايل... ولا غير عمايل الكون ياهووه انجدونا

ومين نكون إن بعنا يومنا وماضينا... وإزاى نعيش إذا كنش بكرة يراضينا
وإزاى ننام من غير ما نحلم ببكرة... وبكرة ده منين ييجى إلا بإيدينا

بحلم وافتح عينيا... على جنة م الإنسانية
والناس سوا بيعيشوها... بطيبة وبصفو نية

أحلامى تصلبلى ظهرى... ويروق ويصفى لى دهرى
ويلالى زهرى وجواهرى... لكل ناسى وليه

لا المال نور طريقى... ولا البنون بلوا ريقى
عملى في حياتى رفيقى... في وقفتى الأخرانية

يا دنيا مهما تغرى... غيرى مسيرك تمرى
وبعد مرى تسرى... نفسى العفيفة الغنية.

ولأن سيد حجاب شاعر ومفكر من طراز رفيع، فقد عهدت إليه الدولة بكتابة مقدمة دستور 2014، وللحق، فقد كانت المقدمة قطعة أدبية بليغة راقية المضمون والأهداف، بلغة جزلة، تقطر وطنية.

وفي 25 يناير 2017 غابت شمس سيد حجاب عن سماء الدنيا، لكنها خالدة في نفس كل مصري أصيل.