جريمة عنصرية في ماتشراتا: المهاجر متهم أم ضحية؟
بقلم فاتن فرادي الجورنالجي" لست عنصريا ولكن..." هذا ما يقوله عدد كبير من الأشخاص عندما يتكلمون عن الهجرة في إيطاليا في هذه الأيام وهي ظاهرة لطالما ما كانت محورا للنقاشات الإعلامية والسياسية بسبب وفود العديد
من المهاجرين إلى إيطاليا بطريقة غير قانونية لا سيما عبر البحر الأبيض المتوسط.
ولكن النقاشات احتدمت في الأيام الأخيرة إثر ما وقع في ماتشراتا وهي مدينة تقع في الوسط الإيطالي. يوم 7 فبراير 2018. إذ أن شابّا إيطاليا من أتباع الفكر اليميني المتطرّف قد أطلق النار على مجموعة من المهاجرين من ذوي البشرة السوداء. وقال أنّ ذلك كان انتقاما لباملا ماستروبياترو، الشابة ذات ال18 ربيعا التي وجدت جثتها مقطعة. وتم توجيه الاتهام في هذه القضية إلى موزعي مخدرات نيجيريين. وقد تمت إدانتهم مؤخرا.
وتزامن وقوع هاتين الجريمتين مع الحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية التي ستنتظم يوم 4 مارس 2018.
وقوع هذ الجريمة ذات الطابع العنصري يعكس تنامي العنصرية في المجتمع الإيطالي يثير العديد من الإشكاليات ترتبط كلها بإدارة ظاهرة الهجرة بإيطاليا وبفشل الإدماج في المجتمع الإيطالي.
وهذا ما يٍؤكده التقرير البرلماني"Jo Cox" الذي صدر في جويلية 2017 حول ظواهر الكراهية وانعدام التسامح والتمييز ضد المثليين والعنصرية في إيطاليا" . ف 65% من الإيطاليين يرون أن اللاجئين هم عبء لأنهم يتمتعون بامتيازات ذات طابع اجتماعي والحال أن طالبي اللجوء يعانون من طول إجراءات التحقيق في وضعيتهم لمنحهم اللجوء أو عدمه. كما أن ما يتمتعون به من امتيازات يعد بسيطا جدا وغير كاف مقارنة بتلك التي تمنحها دول أوروبية أخرى.
هذا وأنّ 6 , 52% من الإيطاليين مقتنعون بأن ارتفاع عدد المهاجرين يساهم في تفشي الإرهاب والإجرام.
يجدربالسياسيين الإيطاليين أن يفكروا في سياسات جديدة وشاملة تهدف إلى الإدماج المحكم للمهاجرين، أولئك التي تحتاج إليهم والذين يساهمون في إنعاش اقتصاد البلاد وإبعاد المهاجرين الذين لا يمثلون مكسبا للبلاد بل خطرا عليها.
ولعلّ تكثيف التعاون القائم في هذا المجال مع البلدان الأصلية للمهاجرين كفيل بأن يساهم في إيجاد حلول تخدمها وتخدم إيطاليا في ذات الوقت.
كما عليهم وعلى اليمينيين خاصة منهم أن يوقفوا ازدواجيتهم ونفاقهم الذي يستعملونه لكسب أصوات العديد من الإيطاليين، متظاهرين بالصرامة خاصة وأنهم يشجعون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة استغلال اليد العاملة من المهاجرين غير القانونيين.
ومن بين الدلائل على ذلك هو أن إقرار جريمة "الدخول غير القانوني إلى التراب الإيطالي" سنة 2009 لم يتبعه ارتفاع لنسبة ترحيل المهاجرين غير القانونيين. إذا لم يتم ترحيلهم ولا تصحيح وضعهم القانوني فالنتيجة أنهم لم يندمجوا في المجتمع الإيطالي كفاعلين فيه وإنما في الجريمة المنظمة وفي سوق العمل السوداء.
فأين السياسيون وأصحاب القرر اليمينيون من كل ذلك؟ يقومون في أغلبهم ب "الترويج السياسي" مستعملين موضوع الهجرة ولا يقومون بتطبيق القوانيين التي سنّوها بأنفسهم عندما كانوا في الحكم.
هذا وتبقى الصرامة في تطبيق القانون فيما يخص الهجرة غير القانونية والجريمة المنظمة التي تسوعب الكثير من المهاجرين غير القانونيين كتجارة المخدرات التي تشغل الكثير من الأجانب من مغاربة وتونسيين ونيجريين وغيرهم من الجنسيات والدعارة التي تستقطب خاصة الكثير من الفتيات والنساء الأجنبيات وهنّ ضحايا استعباد جنسي تمارسه شبكات منظمها تعلم بوجودها السلطات.
إذن، إذا كانت الهجرة في إيطاليا في شقّها غير النظامي تشكلّ خطرا اجتماعيا فإن السلطات الإيطالية والفاعلين السياسيين يتحمّلون القسط الأكبر من المسؤولية.
فمالذي ستؤول إليه الانتخابات التشريعية في مارس 2018؟
وهل ستساهم فزّاعة الهجرة والخوف من الآخر في إنجاح التحالف اليميني الذي يضم أحزابا يمينية متطرّفة؟ وفي حال فوزه، ماالذي سيبادر بفعله في مجال الهجرة ؟هل سيضيّق على الهجرة القانونية بدلا من إيجاد الحلول لتلك غير الشرعية؟هل سيواصل تقويضه لأسس مجتمع ناشئ متعدد الثقافات يتعايش فيه الجميع بسلام وتتكاثف فيه القوى للنهوض بالاقتصاد الإيطالي؟