مزيج القهوة بالحنين والغربة
بقلم ايناس صديق الجورنالجييا قهوتي:
لا تَهتّمي في إيقاع الوقتِ وأسماء السنواتْ.
أنتِ قهوة تبقى قهوة … في كلَ الأوقاتْ.
سوف أحِبُّكِ..
عند دخول القرن الواحد والعشرينَ..
وعند دخول القرن الخامس والعشرينَ..
وعند دخول القرن التاسع والعشرينَ..
و سوفَ أحبُّكِ..
حين تجفُّ مياهُ البَحْرِ..
وتحترقُ الغاباتْ..
نزار قباني
مع قهوة الصباح، تخدر بذور البن الرأس.. تتسرب رائحتها وتمتزج بأريج الزهور.. لتصنع عالمي الخاص.. فيه أتحكم في درجة الحرارة.. ومواعيد سقوط الأمطار.. ولحظات البرق والرعد.. وأدقق في مرور السحاب وكثافتها.. وأرنو للبحر فيتحرك المد والجذر.. لكنني أفقد السيطرة تماماً علي حزمة الذكريات.. يجرفني الحنين مثل قارب في قلب الأمواج.. يلطم خدي ارتطام الدموع.. هشة أنا أمام الصور العتيقة لمن مروا أمام عيوني.. أغدو مثل طفلة في قلب غابة.. لا تهاب الوحوش البرية، لكنها تحن لأسماء منحوتة علي ساق الشجرة العتيقة التي كانت تلعب وتغني أسفلها.
سيدة الوقت واللحظات والدقائق والساعات أنا.. أعيد عقارب الوقت إلى الزمن الجميل، واكتب على أوراق الحاضر.
تجتاح ذاكرتي صور الماضي، واقف على حدود الزمن حيث كانت جغرافيا الفكر لا تتعدى حدود بلدي الجميلة، وأحيائها الصغيرة التى تعج بالحب والأمان، فعندما يدق الحنين على أبواب القلب افتح صندوق ذاكرتي المحفورة مقتنياته في أعماق القلب.. وياليت الزمان يعود يوماً للحياة البسيطة، وأهلنا الطيبين الذين كانت الإنسانية هي إنتمائهم الوحيد.. وياليته يعود يوماً لحياتنا السعيدة التي فقدناها رغم مانعيشه من حضارة هي اشبه في مضمونها بعمليات التجميل.
هو الحنين والشوق الذي يحلق بي إلى آفاق الوطن.. إلى لقاء معلق على قائمة الإنتظار.. أقف في صالة سفر مزدحمة أفحص مواعيد إقلاع الطائرات.. يرتجف الجدول أمامي بالأرقام والمواعيد وأسماء المدن.. لكنني أطيل النظر بحثاً عن السيد الحبيب.. الوطن الذي وهبته نفسي.. يهتز قلبي لاسمه فادخل في انتظار جميل يذكرني بإنتظار هدية العيد..انتظار ممزوج بالفرح واللهفة.. فرح بالماضي بكل تفاصيله المدهشة.. ولهفة للمستقبل بكل مفاجآته التي نحلم بها.
لكنه الحزن يلفنا في أوقات الغروب.. حزن على الذين رحلوا، وتركوا في أنفاسنا غصة تلازمنا اينما ذهبنا، نشتاق لأحضانهم الحنونة.. رحلوا ولم يبق لنا منهم إلا ذكرايات وكلمات مبعثرة نجمعها كلما عصف بنا الحنين.
إنها ضريبة الغربة.. مزيج من قوة القهوة وذاكرة الجبال وليونة القلب وهجرة الأهل.
نعم اعترف انها الغربة والبعد عن أماكن تفتحنا على الحياة.
فالغربة هي العدل الغير مرغوب فيه.
نعم تعطيك بيد وتاخذ باليد الاخرى.. تسير بنا في حياة لا ندري الي إين، وتبعد المسافات بيننا.. وكلاً منا يحمله الشوق الي باب عتيق مر عليه الزمان لكنه ظل شامخاً.