لحن جنائزي قبل السقوط
بقلم علاء طه الجورنالجي[email protected]
هنا الشرق الأوسط.. الجحيم المستعر والحرائق المشتعلة بخريطة ما بين المحيط إلي الخليج.. الأنهار تجف وقيعانها تخثر فيها الدم.. والموسيقي تحولت إلي أوركسترات عسكرية.. والمايسترو لا يقرأ في النوتة سوي حركات آلات النفخ، ودقات الطبول والمزامير الحزينة.. المشاهدون غيروا محطات مبارايات كرة القدم والمسلسلات إلي قنوات الأخبار لمشاهدة الحروب والانقلابات علي الهواء.
كتب في شهادة ميلاد هذه المنطقة المنحوسة من العالم أنها ابنة الديكتاتورية، ولا حكم إلا باسم الدين أو الوطنية أو القبيلة.. ملوك وأمراء ورؤساء وتيجان وعروش ونياشين. غثاء كغثاء السيل.. ماء آسن تغرق فيه الشعوب.. العدالة الإجتماعية كفر، والحرية مجون، والخبز رفاهية، والثورة نكسة، والفاسدون والناهبون واللصوص رجال أعمال ومسئولين سابقين ينالون شكر الحكومات عن خدماتهم الجليلة تجنباً للفضيحة.
عقارب الساعة تسير عكس الإتجاه، وفي لحظة تأتي من خارج العصر، مثل الجنون، تسير الشعوب مغيبة كسولة في صفوف لا يطوولها المدي من أجل التصفيق لظل الله علي الأرض, يصيح بنبرة واثقة من خوف الجميع أن الوطن أهم من الروح والدم.. ولا ينصت أحد لمريد البرغوثي ساخرا:" يقول السلطان لنا: شدوا الأحزمة لأجل الوطن.. الزموا الصمت لأجل الوطن.. أطيعوا الأمر و أهل الأمر لأجل الوطن.. و موتوا من أجل الوطن.. فقلنا: مهلًا.. نحن الوطن".
مع أننا ودعنا حروب الأعداء من القدم إلا أننا ننفق كل ما بالخزائن والبنوك الأم والمركزية وما تحت البلاطة لشراء السلاح.. نجوع ونمرض ويقرصنا البرد من أجل الطائرات والغواصات والصواريخ.. نتأهب ليوم نقتل فيه بعضنا البعض.. وندع كل ذلك في حوزة ظل الله من أجل أن يحمي القصر والديوان والكرسي والصولجان.. غريب أمر الأعداء حقاً.. اسرائيل العدو غاصبة الأرض، من قبل نصف قرن، تحارب من الجولان إلي لبنان إلي سيناء، من عام للآخر تخوض حرباً، لكنها لم توهب ظلاً للرب علي الأرض، لم تلد ديكتاتوراً ولا شهدت انقلاباً.. ولا جاعت ولا عانت ولا خافت أن تكون مثل سوريا أو العراق.. اسرائيل ابنة حظ تتداول فيها السلطة.
نحن شعوب لا تملك سوي الحناجر.. كان صادقاً المفكر السعودي عبد الله القصيمي الذي انقلب علي السلفية، حينما كتب "العرب ظاهرة صوتية".. شعوب تحب أن تكون تابعة لا متبوعة، مفعول بها لا فاعلة.
لكن صفوف أخري من الشباب تغرق في البحر من أجل الهروب من هذا الجحيم، وطوابير اللاجئين تعبر الحدود فزعة بحثاً عن الأمان.. والقدر يغلي بماء الصدور المخلوط بالغضب،.. أنفقنا علي بناء السجون أكثر مما أنفقنا علي الصحة والتعليم، نسجن باسم الرب، ونزج بالأبرياء بدعوي الوطنية، والرب والوطن أبرياء من نزواتنا وغرائزنا في القتل والتعذيب والتنكيل.. وفي لحظة ستأتي أيضاً مثل الجنون، ستهتز الزنانزين بصرخة المساجين، وستزلزل الشوارع بآهات الجوعي والمرضي.. وسيختلط الأوباش بملح الأرض.. ولن يكون هناك ربيعاً عربياً ولا ثورات سلمية ولا حراكا سياسياً ستكون الهوجة والموجة التي ستقصم الظهر.. هنا سيبدأ العزف الجنائزي مع السقوط.