من دربكة الاقتصاد لاستعادة الثقة.. المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي يكشف ملامح تعافي الاقتصاد المصري ورؤية 2026
قال الدكتور محمد معيط المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي ووزير المالية السابق إن الاقتصاد المصري مر بفترة صعبة جدا خلال سنتين من الاضطراب الشديد من مارس 2022 حتى فبراير 2024، وهي الفترة بعد جائحة كورونا، وما تلاها من الظروف الخارجية الدولية والإقليمية، وتلك الفترة التي بدأت أولها بالتضخم وارتفاع شديد في أسعار السلع التي كانت تتحرك بمعدلات تفوق قدرة المواطن.
معيط يكشف أصعب عامين على مصر
وأضاف المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي خلال ندوة في موقع القاهرة 24، أن وجود سوق موازية لسعر الصرف أدى إلى تفاقم المشكلة، حيث كانت التحويلات تتم أكثر في السوق الموازية عن السوق الرسمي، وبالتالي اتسع الفارق بين السعر الرسمي والسعر الموازي، ما أدى إلى حدوث مشكلة كبيرة، وأثر ذلك على إتاحة العملة داخل القطاع المصرفي لتوفير الاحتياجات.
وأوضح معيط أن وجود سوق موازية لسعر الصرف والموجة التضخمية أدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وانعكس ذلك على زيادة موارد الدولة التي تم تخصيصها لسداد الفوائد، والتي انعكست بشكل مباشر على مستوى الدين وارتفاعه.
ووصف المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي، تلك الفترة بـ دربكة الاقتصاد المصري.
وأردف: مع نهاية فبراير 2022 وتوقيع صفقة رأس الحكمة ثم الاتفاق مع الصندوق في 6 مارس 2024 ثم إعلان الاتحاد الأوروبي حزمة تمويل لمصر ثم حزمة البنك الدولي، ثم رجوع الثقة إلى القطاع الاقتصادي والمالية المختلفة، ورجوع تحويلات المصريين العاملين في الخارج إلى القطاع المصرفي بشكل مباشر بعد ما كانت تتجه إلى السوق الموازي؛ أدى إلى توحيد سعر الصرف بين السوق المصرفي الرسمي والسوق الموازي وإتاحة العملة، وبالتالي أدى ذلك إلى توفير الخامات واحتياجات الدولة.
معيط: أتوقع انخفاض سعر الفائدة خلال اجتماعات البنك المركزي المقبلة
وقال معيط: المواطن المصري يهمه ترجمة تلك الإصلاحات في أسعار السلع والخدمات وقدرته الشرائية ومستوى معيشته، ولكن ذلك يأخذ بعض الوقت، والدليل على ذلك أن معدل تزايد الأسعار وهو التضخم يتراجع، وسيستمر في التراجع وكل المؤشرات تدل على أن الأمور أخذة في التحسن.
ولفت المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي إلى أن البنك المركزي يحركه البيانات والتوقعات، معقبًا: أتوقع انخفاض سعر الفائدة خلال الفترة المقبلة، مع انخفاض معدلات التضخم واستمرار التحسن، وأعتقد أنه خلال العام المقبل يمكن أن يرى المواطن المصري وضع أفضل.. وبشوف الاقتصاد حاليًا أفضل مما كنا عليه في الفترة من مارس 2022 حتى نهاية فبراير 2024، وعام 2026 سيشعر المواطن بتحسن الأسعار وتراجعها.
واستشهد بأنه خلال نوفمبر 2016 نفذت الدولة برنامج إصلاح اقتصادي صعب، وتأثر المواطنين في 2017، وفي 2018، ومع بداية عام 2019 شعر المواطن بتحسن، مضيفًا: الحظ لم يوفقنا بسبب فيروس كورونا في 2020، ورغم ذلك مصر لم تشعر بتأثر كبير في فترة كورونا لأن مصر في تلك الوقت وضعها الاقتصادي كان أفضل.
معيط: العام المقبل سيكون الأخير في برنامج مصر مع صندوق النقد
وأضاف معيط، أن العام المقبل سيكون آخر سنة في البرنامج مع صندوق النقد، والدولة المصرية تستعد لعمل برنامجها لاستدامة النمو، مشيرا إلى الأخذ في الاعتبار أن هناك تحديات بأن نحافظ على النمو لأن أوضاع العالم وحالة عدم اليقين والأوضاع الجيوسياسية سواء في المنطقة أو العالم متأثرة ومؤثرة، مؤكدة أهمية الاستمرار والاستدامة في معدلات النمو لأن ذلك يخلق فرص عمل ويحسن الخدمات والإنتاج وسوق التصدير.
وأكد ضرورة مواصلة الضخ في دعم التنمية البشرية بقطاعات التعليم والصحة والشباب والرياضة، في ظل التغيرات العالمية والاتجاه نحو التحول الرقمي مع توسع انتشار الذكاء الاصطناعي، وسط التوقعات بأن يؤثر التطور السريع في الذكاء الاصطناعي على ما يقرب من 40% من الوظائف، موضحًا أن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي يمثل استثناءً، وأن الدول لا تحتاج إلى الصندوق طالما كانت الأوضاع الاقتصادية جيدة وتستطيع التعامل مع أي خلل يتعلق بميزان المدفوعات والحساب الجاري ومعالجته وتمويله، والدول تتوجه إلى صندوق النقد الدولي عندما يكون لديها بعض الخلل وتكون بحاجة إلى الصندوق لفترة مؤقتة لمعالجة هذا الخلل، باعتبارها عضوًا في الصندوق، لأن الوضع في هذا الوقت يتطلب اللجوء إليه طالما لا يوجد مصادر تمويل أخرى يمكن أن تمول عجز ميزان المدفوعات.
وأردف: مصر كانت قد انتهت من برنامجها مع صندوق النقد الدولي في الفترة ما بين 2016-2019، وكان السؤال المطروح حينها هو: هل سنحتاج إلى برنامج إصلاح اقتصادي جديد مع صندوق النقد الدولي مرة أخرى؟.. والدولة وقتها نفذت إصلاح جيد وحققت إنجاز بعد فترة من المعاناة، وانتهت هذه الفترة بحالة من التعافي والاستقرار الاقتصادي.. وفي عام 2019 كان القرار إننا في الوقت الحالي لم نعد بحاجة إلى تمويل جديد من صندوق النقد الدولي، ولكن مصر عملت على وضع برنامج إصلاح للفترة التالية حتى تحافظ على قوة الدفع وتضمن استمرار الإصلاحات بالتعاون مع الصندوق.
وواصل حديثه: مصر يمكنها في أي وقت أن تتعامل مع صندوق النقد الدولي كمستشار في برنامج الإصلاح الاقتصادي الجديد الخاص بالبلاد، وهذا التوافق كان أيضا في عام 2019 لأن مصر كان لديها التمويل الكافي، وليست في حاجة إلى أي تمويل إضافي من صندوق النقد الدولي، والدولة اتخذت القرار وقتها وتواصلت مع صندوق النقد الدولي وأبلغته بأن مصادر التمويل لديها جيدة جدًا، ولا تحتاج لتمويل إضافي من الصندوق، لكنها ترغب في استمرار التعاون مع الصندوق في برنامج يحافظ على استدامة استقرار الاقتصادي وأن يبقى الصندوق معها في هذا البرنامج.
وأضاف معيط أن العلاقة مع الصندوق فيما بعد انتهاء البرنامج يمكن أن يتم تلخيصها في النقاط الرئيسية التالية:
1- عند تنفيذ برنامج تمويلي يحصل بموجبه الصندوق على حق المتابعة الدورية لضمان سداد التمويلات.
2- المادة الرابعة تتيح للصندوق تقييم الأوضاع الاقتصادية للدول الأعضاء.
3- الصندوق يقدم مهامه الاستشارية؛ في نقل الخبرات وبناء القدرات للدول الأعضاء نظرًا لمساهمتها في رأس مال الصندوق.
معيط يوضح تأثير تقارير مؤسسات التصنيف الائتماني على الاقتصاد والموازنة العامة
وفيما يتعلق بتقارير مؤسسات التصنيف الائتماني وتقييمها للاقتصاد المصري، أوضح معيط أن هذه المؤسسات عادة ما تخفض التصنيف بسرعة في أوقات الأزمات، لكنها تتأنى في رفعه مرة أخرى، حتى تتأكد من استدامة التحسن الاقتصادي على المدى المتوسط والطويل، مؤكدًا أن التصنيف الائتماني يؤثر مباشرة على تكلفة التمويل، إذ أن تحسنه يؤدي إلى خفض تكلفة الاقتراض سواء الداخلي أو الخارجي، والعكس صحيح.
وأشار إلى أن هذا الأمر ينعكس على الموازنة العامة للدولة، لاسيما في الباب الثالث الخاص بالفوائد، حيث يمثل التصنيف الائتماني أحد العوامل المؤثرة في قيمة الفوائد المسددة، إلى جانب معدلات التضخم وسعر الفائدة، وخفض تكلفة الدين العام يتطلب تحسين التصنيف الائتماني، وخفض معدلات التضخم، وتقليص عجز الموازنة، وزيادة الموارد وترشيد الإنفاق.
معيط يوضح أهمية برنامج الطروحات الحكومية وتعزيز دور القطاع الخاص
وفي رده على سؤال حول برنامج الطروحات الحكومية، أكد وزير المالية السابق أن الدولة لديها رؤية لمنظومتها الاقتصادية، وتهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص وزيادة حجم الاستثمارات، ومن أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري حاليًا هو خلق فرص عمل كافية، حيث إن الاقتصاد القوي والمستقر هو الذي يستطيع توليد وظائف جديدة باستمرار.
وأكمل حديثه: مصر بحاجة سنويًا إلى توفير فرص عمل لأكثر من مليون شاب يتخرجون من الجامعات والمعاهد، وهو ما يتطلب رفع كفاءة الإنتاج وزيادة النشاط الاقتصادي بما يتناسب مع هذه الأعداد المتزايدة من الداخلين إلى سوق العمل.
معيط يوضح استراتيجية التعامل مع الدين العام وعبء خدمته
وفيما يخص الدين، قال الدكتور معيط إن عبء خدمة الدين أهم من الدين نفسه، وذلك الأمر أكثر شيء يخيف أي وزير مالية.
وبشأن كيفية تخفيض الدين الخارجي المصري، أكد ضرورة استمرار العمل على رفع معدلات النمو الاقتصادي واستدامة وتنوع هذا النمو بين كل القطاعات وتوزعه بين كل أقاليم الدولة، مع مواصلة السيطرة عليه وتخفيض معدلات التضخم لتكون في حدود مستهدفات البنك المركزي المصري الـ 7% مع التخفيض والزيادة في حدود 2%، بالإضافة إلى النزول لأقل نسبة فائدة ممكنة مع انخفاض التضخم مع الحفاظ على مستوى فائض أولي مرتفع، إيرادات الدولة أكبر من مصروفاتها بخلاف فوائد خدمة الدين، والعمل على استمرار انخفاض العجز الكلي للموازنة.
معيط عن زيادة الأجور والمعاشات: أي مسؤول يتمنى ذلك.. ولو المواطن مكان المسؤول هيعرف صعوبة الموقف
أما فيما يتعلق بشأن الحزمة الاجتماعية وزيادة الأجور والمعاشات، شدد على أي مسؤول يتمنى أن يحسن أوضاع الناس ولكن المسؤول يجد نفسه في وضع صعب في كثير من الأحيان نتيجة لحجم الالتزامات والإنفاق المطلوب، معقبًا: ولو كان المواطن محل المسؤول لعرف حجم الصعوبة، ولو الأمر بإمكان المسؤول لفعل كل ما يحتاجه المواطن.








