قاوم بالحياة!
بقلم : رشا عويس الجورنالجي
عندما تشاهد آداء فرقة "47 سول" على المسرح أو تتابع الحضور المتمايل الراقص على أنغامها، لا يُمكنك إلا أن تعي أن ثمة تغيير جوهري قد أصاب الأجيال الفلسطينية الشابة.
فمع كل فقرة أدتها الفرقة خلال مهرجان (وصلة) للموسيقى بدبي مؤخراً، لم يسعك سوى أن تلمح على امتداد بصرك عدداً هائلاً من الشباب المتشرب بتراثه الفلسطيني وسط حيوية طاغية وحماسة جارفة.
هذا التعطش الروحي وهذه الحماسة الجارفة تُجبر عقلك على التساؤل...هل دفعت الموسيقى الحديثة الأجيال الفلسطينية الشابة إلى تناسي المعنى التقليدي للمقاومة؟ أم أنه بات للمقاومة وجه آخر؟
بالتأكيد بات للمقاومة وجه آخر..فمجرد النظرة إلى حماسة رقص الشباب على الأنغام الحديثة للدبكة الفلسطينية تستحضر إلى الأذهان صورة اللبنانيين أثناء الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في 13 إبريل من العام 1975 واستمرت حتى العام 1990.
حينها، ورغم الأنين، قاوم اللبنانيون أوجاع وآلام الجولات القتالية العبثية وتحول البلاد إلى ساحة صراعات إقليمية وعربية ودولية، بالغناء والرقص تارة وإقامة الأفراح تارة أخرى.
كان من الطبيعي في تلك الأيام أن ترى في العاصمة اللبنانية بيروت حفل زفاف على بعد مترين ونصف من حاجز أمني أو بؤرة قتال وقصف غادر على بعد أميال من ذلك الاحتفال، وكأن اللبنانيون كانوا يريدون التأكيد ضمنياً على مقولة "قد ينكسر المرء لكنه لا ينهزم أبداً"
للكاتب الأمريكي الشهير إرنست هيمنجواي.
بدا لي الشباب الثائر رقصاً على أنغام فرقة "47 سول"...مرء فلسطيني قد ينكسر ولكنه لا ينهزم...شتته وغربه الاحتلال الصهيوني ثم الانقسام ولكنه لم يهزمه، فمنه من لا يزال يقاوم بالسلاح ومنه من يقاوم بالحياة.
كما ظهر التشابه الفلسطيني- اللبناني جلياً أيضاً في طريقة الغناء، فبينما كانت الأجيال الشابة في السبعينات والثمانينات تلتزم بأسلوب الغناء الثوري للفنان اللبناني مارسيل خليفة وفرقة العاشقين الفلسطينية الذين شدوا بكلمات الشعراء الفلسطينيين الكبار أمثال محمود درويش، وتوفيق زياد، وسميح القاسم، أصبحت الآن تُعبر عن المضمون الوطني الفلسطيني بلغة العالم الجديدة الحالية.
من هذا المنطلق، ابتكرت فرقة "47 سول" موسيقى "الشام ستيب" المكونة من مزيج من الصوت الحماسي للمجوز الإلكتروني مع كلمات باللغتين العربية والانجليزية في ألحان شرقية وغربية ممتزجة.
وتناغماً مع هذه الألحان، تتغنى فرقة "47 سول" بكلمات تُعبر عن قضايا الواقع الفلسطيني، والمقاومة والنضال، وعودة اللاجئين، وقضايا الحرية والعدالة والإحتفال بها على طريقة العرس الفلسطيني التي طالما كانت دليلاً قاطعاً على الحب الفلسطيني للحياة، تماماً مثلما قال الشاعر الراحل محمود درويش:
ولكن شهوتنا للحياة
ولو خذلتنا البراهينُ، أَقوى من
الحبّ والموتِ/
فلننه طقس جِنازتنا كي نشاركَ
جيراننا في الغناء
الحياة بديهيَّةٌ .. وحقيقيَّةٌ كالهباء!