بعد الفيديو المروّع لاغتيال تشارلي كيرك.. إحذر من المشرحة الرقمية لأمريكا
سيظل كثير من الأميركيين يتذكرون بالضبط أين كانوا عندما شاهدوا لأول مرة الفيديو المروّع لاغتيال تشارلي كيرك، الذي اجتاح منصة “إكس” في غضون دقائق، من المستحيل تفاديه ومن المستحيل نسيانه.
في الذكرى الرابعة والعشرين لهجمات 11 سبتمبر، وجد الأميركيون أنفسهم من جديد في مواجهة الأثر النفسي للصور العنيفة التي تُغرس في الذاكرة الجمعية. لكن بخلاف تلك اللحظة الفارقة والوحيدة، فإن العنف اليوم يُقدَّم في تدفق لا ينتهي — إطلاق نار، طعنات، تفجيرات، معاناة — تُدفع دفعة واحدة إلى الخلاصات الرقمية في الوقت الحقيقي. هذه الصدمات البصرية أصبحت جزءًا يوميًا من الحياة على الإنترنت، تُراكم طبقات جديدة فوق مجتمع مُستقطَب ومتوتر ومرهَق بالحواس.
على منصة إيلون ماسك “إكس” تحديدًا، أكثر من أي منافس تقليدي، اختفت الحواجز. التراجع عن سياسات ضبط المحتوى حوّل المنصة إلى نظام توزيع سلس لأبشع المواد الممكنة، في قلب الساحة الرقمية العامة. ما كان صادمًا بالأمس صار اعتياديًا اليوم، يعيد تشكيل الطريقة التي يدرك بها الملايين العنف، وبالتالي كيف يعيشون العالم من حولهم. وحتى على المنصات التي تفرض قواعد أكثر صرامة، يبقى التطبيق متعثرًا، فيما تُستغل مناطق الغموض بسهولة في فوضى الأخبار العاجلة.
اغتيال كيرك لم يكن مجرد فعل دموي مروّع، بل مشهد عام شاهده آلاف الطلاب مباشرة، ثم ملايين آخرون عبر الإنترنت، بينما كان يجيب عن سؤال يتعلق بحوادث إطلاق النار الجماعي. جاء مقتله في وقت كانت فيه موجة غضب إلكتروني تتصاعد حول حادث طعن اللاجئة الأوكرانية إيرينا زاروتسكا في قطار بمدينة شارلوت، وهو مشهد التقطته كاميرات المراقبة وانتشر ملايين المرات. وعلى مدى يقارب العامين، ملأت صور المدنيين القتلى والجوعى والمشوّهين في غزة الفضاء الإلكتروني، مغذيةً أكثر أشكال الخطاب سمّية.
كل هذه المآسي تعكس الواقع العاري لعالم غير مُفلتر، لكن عقولنا لم تُصمَّم لتستوعب هذا التدفق العنيف بلا توقف على مدار الساعة. أظهرت أبحاث نفسية أن التعرّض المتكرر لمشاهد العنف الصادم عبر الإنترنت يسبب ما يُعرف بـ “الصدمة بالوكالة”، أي أعراض شبيهة باضطراب ما بعد الصدمة لدى أشخاص يشاهدون المعاناة عبر شاشاتهم فقط. دراسة عام 2021 وجدت أن مجرد متابعة أخبار حوادث إطلاق النار على التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي يرفع خطر ظهور أعراض الصدمة حتى بين من لم يتأثروا بشكل مباشر بالحادث. ومع امتلاك الأطفال للهواتف منذ سن مبكرة، وتصفحهم منصات التواصل بلا انقطاع، تتضاعف المخاطر، إذ يحذّر الباحثون من أن المراهقين عرضة بشكل خاص للقلق والاكتئاب وفقدان الحساسية تجاه العنف.
منصة الألعاب “روبلوكس” — ذات الشعبية الكبيرة بين الشباب — أعلنت مؤخرًا أنها أزالت أكثر من 100 “تجربة” داخل اللعبة بعد رصد محتوى متعلق بحادث اغتيال كيرك.
لقد مرّت الولايات المتحدة بموجات عنف سياسي من قبل، خصوصًا في الستينيات، حين غيّرت الاغتيالات والتفجيرات والصدامات الشوارع ملامح البلاد. لكن تلك الصدمات كانت تصل عبر الصحف أو بصيغة منقحة في نشرات الأخبار المسائية، لا في بث مباشر متكرر على هواتفنا. وإذا كانت اللقطات المهزوزة لفيلم زابرودر عن اغتيال جون كينيدي قد هزّت جيلًا كاملًا، فإن مقاطع هواتف آيفون الحديثة بجودة 4K تنقل الصدمة إلى مستوى غير مسبوق. ومع تفاقم الانقسام الحزبي وتفشي نظريات المؤامرة — التي تُضخَّم عبر الخوارزميات ذاتها التي تروّج للعنف — تبدو المجتمعات أكثر هشاشة من أي وقت مضى أمام خطر التطرف والانزلاق نحو العنف.
