فيديوهات الموت الحقيقية على السوشيال ميديا: صادمة، لا يمكن تجاهلها ولا تُمحى من الذاكرة


في فيلم الإثارة 8mm (1999)، يجسد نيكولاس كيج دور محقق خاص يشاهد شريطاً مصوراً لجريمة قتل فتاة. المشاهدة المتكررة تصيبه باضطراب نفسي عميق وتدفعه إلى حافة العنف. يقول أحد الشخصيات في الفيلم: “هناك أشياء لا يمكنك أن تمحوها من ذاكرتك… الشيطان لا يتغير، بل هو من يغيرك.”
هذا الأسبوع، عاش ملايين المستخدمين تجربة مشابهة لكن في الواقع. فقد انتشر على منصات التواصل الاجتماعي مقطع صادم يوثّق لحظة اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك (31 عاماً) خلال فعالية طلابية في جامعة يوتاه فالي، حيث أصابته رصاصة قاتلة في رقبته وسط ذهول الحضور.
الفيديو عُرض لساعات على منصة “إكس” دون توقف، ليشاهده الملايين بلا قصد، قبل أن تُبطئ خوارزميات المنصات انتشاره.
ولم يكد الجدل حول المقطع يهدأ حتى ظهر مقطع آخر مأساوي يوثّق اللحظات الأخيرة للشابة الأوكرانية اللاجئة إيرينا زاروتسكا (23 عاماً)، التي قُتلت طعناً داخل قطار خفيف بولاية كارولاينا الشمالية. ورغم أن لحظة الطعن لم تُعرض كاملة، فإن الصور التي أظهرت خوفها ورعبها قبل ثوانٍ من مقتلها انتشرت بشكل واسع، وتركت أثراً مروّعاً في نفوس المشاهدين.
إرث دموي يتكرر على الشاشة
مشاهدة مقاطع الموت الحقيقية ليست جديدة كلياً. يكفي أن نتذكر:
شريط اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي عام 1963، الذي ظل بعيداً عن عامة الناس لعقود.
سلسلة أفلام الرعب الواقعية Faces of Death في الثمانينيات والتسعينيات، التي صدمت جيلاً كاملاً من المراهقين.
مقاطع أحداث كبرى مثل هجمات 11 سبتمبر، ذبح الصحفي دانيال بيرل عام 2002، تفجيرات ماراثون بوسطن، هجوم مسجد كرايست تشيرش عام 2019، ومقتل جورج فلويد عام 2020.
كلها صور حقيقية تركت ندوباً عميقة في الذاكرة الجمعية.
الأثر النفسي: جرح لا يندمل
تؤكد أستاذة علم النفس روكسان كوهين سيلفر أن مشاهدة مشاهد العنف الواقعي، ولو لمرة واحدة، يمكن أن تترك أثراً سلبياً يستمر لسنوات، من قلق مفرط، وتوتر دائم، وحتى مشكلات قلبية. الأخطر، أن كثيراً من الناس يبحثون عن مزيد من هذه المقاطع بعد أول مشاهدة، ليس لأنهم استمتعوا بها، بل لأنها صدمتهم بشدة.
توضح سيلفر:
“كنا نظن أن الناس يتعوّدون على العنف مع التكرار، لكن الحقيقة أنهم يصبحون أكثر حساسية، ويبحثون عن مشاهد جديدة، في دائرة لا تنتهي من القلق والصدمة.”
بين ضرورة التوثيق وخطر الصدمة
يدافع البعض عن عرض مثل هذه المقاطع باعتبارها وثائق لا غنى عنها لفهم جرائم كبرى والتصدي لها ، مثل تسجيلات معسكرات النازية التي كشفت فظائع الهولوكوست، أو فيديو مقتل جورج فلويد الذي أشعل حركة العدالة العرقية. لكن آخرين يحذّرون من أن الغضب الجماعي الناتج قد يقود إلى قرارات كارثية، مثل اندلاع أعمال شغب أو تبرير حروب.
هنا تكمن المفارقة: الصور قد تدفع المجتمعات نحو التعاطف والتغيير، لكنها في الوقت ذاته تدمّر الأفراد نفسياً.
أزمة السوشيال ميديا: المحتوى بلا رقيب
بينما امتنعت معظم وسائل الإعلام التقليدية عن نشر فيديو اغتيال كيرك، انتشر المقطع على السوشيال ميديا بلا ضوابط. حاكم يوتاه وصف الأمر بقوله: “السوشيال ميديا سرطان ينخر في مجتمعنا.”
الخبراء يطالبون شركات التكنولوجيا بزيادة الرقابة على هذا النوع من المحتوى، لكن ذلك يطرح إشكاليات أخرى: فالمشرفون الذين يتعرضون لمقاطع العنف يعانون هم أنفسهم من صدمات نفسية.
التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي قد تكون حلاً لتصفية هذه المشاهد، لكن الخبراء يحذرون من أن الحل الأبسط ربما يكمن في خطوة شخصية أكثر راديكالية: الابتعاد عن مواقع التواصل والتوقف عن إدمان الشاشة.
خلاصة
انتشار فيديوهات الموت الحقيقية يفتح نقاشاً بالغ الخطورة:
هل يجب أن تُعرض كي ندرك حجم المأساة؟
أم يجب أن تُحجب لحماية الأفراد من صدمة نفسية قد ترافقهم طوال حياتهم؟
ما يبدو مؤكداً أن هذه المشاهد، كما تقول إحدى الباحثات، “تترك ندوباً لا تلتئم أبداً” ، سواء في ذاكرتنا الفردية أو في وجدان مجتمعاتنا.